كاثرين .. ما بين الواقع والخيال

56

تأليف : جهاد طلعت

” للاستماع الى القصة “

تم التسجيل والتوزيع باستديو : راديو شخبطة
اداء الصوت : جهاد طلعت
مونتاج واخراج: KhaledMGroup
ملحوظة : يفضل وضع سماعات الاذنين لسماع الصوت 3D

كاثرين

( نص القصة كامل )

كاثرين .. ما بين الواقع والخيال

فلتنزعي ردائك الاسود الضيق واستبدليه باخر ابيض فضفاض وانزعى مشابك شعرك اتركيه يتطاير فالهواء وارقصى رقصة الحياة .

كانت كاثرين فتاة في السابعة عشر من عمرها ذات عيون حالمة وسلاسل الذهب المنسدلة علي كتيفيها تعكس اشعة الشمس البراقة كان الامل ينبعث من عينيها وحب الحياة يسكن ملامحها .

لم تكن كاثرين كبقية الفتيات فى عمرها لم يكن حلمها الحب او شاب وسيم كانت تحلم دائما بان تكون فتاة ناحجة وتمنت بان تصبح طبيبة تشفى جروح المرضى الالمين التى كانت ينفطر قلبها لهم كلما رات احد منهم ولم يؤثر بها يوما حكايا صديقاتها ومغامراتهم مع الحب والعشق كانت تمضى قدما نحو هدف اسمى وحلم اكبر وبالفعل تحقق حلمها واصبحت كاثرين طبيبة جملية وذكية وواثقة الخطى لمعة عيناها تحرق الارض من حولها وتذيب قلوب العاشقين .

ولكن لم يستطيع احد يوما بان يجعلها تتوقف لاجله كانت تمضى قدما فى علاج المرضى وتجد النشوى بين اسرة الالمين والسهر علي راحتهم والانتصار برسم الابتسامة ع شفاههم الى ان جاء ذلك اليوم … الذى اعلن فيه عن مؤتمر للاطباء وتمت دعوة كاثرين اليه . تحمست كاثرين كثيرا وحزمت حقائبها وسافرت ولم يكن يخطر ببالها يوما بانها لن تعود من هذه الرحلة كما كانت .

كان يوم عصيب مابين السفر وحضور المؤتمر ولكن لم تستطيع كاثرين ان تمنع نفسها من الذهاب لرؤية الغروب واتجهت بالفعل منفردة نحو الشاطئ ووقفت وحيدة تراقب الشمس فى الخفوت وراء تلك الامواج العاتية والشفق الاحمر يسدل ستائرة علي الكون.

اغمضت عيناها واخذت تستنشق عبير البحر وتستمع الى صوت ارتطام الامواج وفجاة سمعت ذلك الصوت الذى يهتف باسمها كاثرين …. لكنها ظلت مغمضة العنينين وظنت لوهلة بانها مخطئة فالشاطئ لا يوجد به احد غيرها هى والامواج فقط لا غير …. ولكن الصوت تردد ثانيا كاثرين … وايقنت حينها بانها ليست مخطئة وفتحت عيناها لترى شاب له عينان اصفى من لون البحر بل هى البحر ذاته فلقد غرقت بداخلهما بمجرد النظر اليهما وظلت ساكنه للحظات تنظر اليه فقط ولا تجيب علي ندائه كان داخلها شعور بالالفة تجاه هذا الشخص ولكنها لا تعرفه ترى من يكون وما سبب ذلك الشعور الذى تشعر به تجاهه ومن اين اتى وظهر فجاة فى هذا المكان ولكن صوته انتزعها  من كل تساؤلتها والحيرة التى غرقت فيها للحظات ….. انا جون الا تذكرينى لكى كل الحق فلقد تغيرت ملامحى كثيرا واصبحت رجلا وحفرت السنين خطوطها فى وجهى ولكنى عرفتك علي الفور فمازلت كما انت مازالت عيونك حالمة وشعرك مراة للشمس ومازلت تلك الفتاة المتمردة الانيقة الى ترفض ان تتسخ ملابسها اثناء اللعب وكانت دائما تتركنا وترفض اللعب معنا لتظل تراقب قرص الشمس الذى استمد منها نوره وضياءه الى ان يغيب .

صرخت بلهفة جون …. لا اصدق اننى اراك امامى الان فلقد مرت سنين طويلة منذ سافرت للدراسة ولم ياتى عنك اى خبر بعدها واصبحت ايضا شابا انيقا فضحك جون قائلا اجل فلقد كنت دائما اتذكر نظرة الغضب علي وجهك كلما رايتينى اتشارك اللعب مع زملائى متسخ الشباب فلم اكن يوما انيقا مثلك ولكني الان اصبحت رجلا ولم يعد بوسعى فعل ذلك مجددا ولكن كانت اسعد لحظاتى هي اللعب فى الزقاق متسخ الثياب ونظرة الغضب والعبس ع وجهك لتتركينا وتذهبي لتراقبى قرص الشمس وكانك علي موعد معه كما انتى الان ممن تهربين اذا اخبرينى …… ضحكت كاثرين وقالت لا احد فلا يوجد احد يضايقنى اهرب منه مثلا كنت اهرب منك لقد اصبحت طبيبة وكنت فى مؤتمر طبى ولكنى لم استطيع ان امنع نفسى من المجئ الى الشاطئ ومراقبة الغروب ولكن انت ما الذى اتى بك الى هنا وماذا تفعل .

 لقد اصبحت رجل اعمال لى شركتى الخاصة وانا اقيم هنا منذ بعض سنوات منذ ان اسست الشركة وبدات بالعمل حسنا ….. هل تسمحين لى بدعوتك علي العشاء ….. لا يوجد لدى مانع …. ذهبت كاثرين وجون وظل الحديث بينهما مستمر لساعات طويلة لم يشعر خلالها اى منهما بمرور الوقت وكانت حكايات الطفولة ترسم ابتسامة صافية فى قلوبهم قبل شفاههم لقد تاخر الوقت كثيرا لابد لى ان اذهب الان …….. كاثرين …. لم اشعر سوى بالسعادة فقط السعادة وكانى كنت مسافرا طوال السنين الماضية وعدت الان الى عينيكى ووجدت الوطن … ابتسمت كاثرين ابتسامه رقيقة دون ان تنطق بحرف واحد لكن الشعور الذى كان بداخلها كان اقوى من ان تترجمه اى حروف مد جون يده ليصافحها قبل ان تذهب وفاللحظة التىتلامست فيها ايديهما انتفض قلبها وتعالت دقاته فخشيت ان يسمعها جون من شدتها … سحبت كاثرين يديها سريعا وهربت الى غرفتها بعد ما اخبرها جون بانه سيكون فى انتظارها فى صباح اليوم التالى .

وظلت اللقاءات بين كاثرين وجون فى احضان الشاطئ وكان جون كل يوم ياخذها فى رحلة طويلة ليريها عالم لم تكن تعلم عنه شيئا من قبل ليس فقط اماكن جديدة ولكن ايضا مشاعر جديدة واحاسيس مختلفة لم تشعر بها سابقا وكانت مثل حمامة بيضاء حلقت فى سماء جون ذلك الشاب المجنون الذى انتزعنى من اناقتى وحياتى المهندمة لاجد فى فوضى حياته ايضا فوضى لمشاعرى لم اعد استطيع ان اسيطر عليها لم اعد استطيع ان اقاومها ….. هل انا حقا غارقة فى حب جون ؟ ….

وذات مساء سمعت كاثرين دقات علي باب الغرفة … تفتح كاثرين الباب لترى موظف الفندق حاملا علبة ضخمة وظرف مغلق فتحت كاثرين العلبة لتفاجئ برداء فيروزى بلون البحر ومرصع باللؤلؤ الاببض وفتحت الظرف … كاثرين انتظرك علي شاطئ البحر حيث التقينا لاول مرة لن اخبرك بشر فقط سانتظر عيناكى ….. ابتسمت كاثرين ابتسامة رقيقة وارتدت الرداء ووضعت تاج زين سلاسل الذهب المنسدلة علي كتفيها لم ترفع شعرها فلقد كان جون يقول لها دائما لا تحرمى العاشقين من انعكاس اشعة الشمس البراقة  علي شعرك .

خرجت كاثرين من الفندق كالاميرة الهاربة من سطور التراث بردائها الفيروزى المرصع باللؤلؤ والتاج الذى وضع اللمسة الاخيرة فى لوحة ساحرة الجمال …. وتابعها بريق عيون الجالسين الى ان خرجت الى الشاطئ لم يكن هناك احد وكانت الاضواء المعكوسة علي شاطئ البحر بلون رداء كاثرين …نظرت كاثرين حولها ” اين انت يا جون ” وفجاة سمعت صوت ينادى خلفها ….. التفتت كاثرين لتجد جون جالسا علي الارض وبريق عينيه يعكس الاضواء التى حولها وبيده خاتم الماس ….. كاثرين لقد احببتك منذ اول مرة وقعت فيها عنيى عليكى . …..

سافرت كثيرا ولكن لم اسافر قدر سفرى فى عينيكى …. بحثت عنك كثيرا فى كل فتاة كنت اراها ولكنى لم اجد روحى الا بين شفتيك كاثرين هل تقبلين الزواج بى  ان تكونى شريكة عمرى واحلامى  ملكتى ومملكتى المحرمة هل تقبلين ….. كانت كاثرين لا تصدق دقات قلبها المرتعشة التي اسكتت امواج البحر من شدتها وبريق النجوم الذي سكن عيونها ورسم فيها كلمة واحدة …. احبك جون صرخت بها كاثرين بعدما اهتزت لها كيانها بالكامل وصرخ بها لسانها تلك الكلمة التى طالما وقفت علي بوابة الصمت وفتكت بقلب كاثرين ولم تستطع قولها يوما …. عانقها جون عناقا طويلا انغمدت فيه بداخل احضانه وشعرت بالامان بين ذراعيه وامتزجت دقات قلبهما وتعالت اصوات ضحكاتهما .

مرت الايام سريعا … ايام ممزوجة بالفرح  والسعادة وكان الحنان الغامر بحرا يسبحان فيه فى احضان العشق والحب الثائر المتمرد بلا قيود بلا قوانين ولكن بقاء الحال من المحال فلا حب يبقى ولا فرح  يدوم تغير جون فى الاونة الاخيرة وبدا الخوف يتسلل الى القلوب والاضواء الساطعة فالخفوت فلم يعد يهتم باى شئ يخص كاثرين اصبح متقلب المزاج شديد العصبية متسلط اللسان ورغبته في السيطرة على كاثرين وتملكها تزداد يوما بعد يوم لم تكن كاثن تعى ما الذى يحدث فالبداية كانت فى حالة صدمة ولكن سرعان ما تداركت الامر واخذت تفكر …. ماذا افعل الان لم تكن كاثرين ابدا بالشخصية الضعيفة او السلبية التى يصعب عليها ان تنحنى وترضخ للواقع ويستحيل لها ان تسمح  للفشل بالتسلل الى حياتها واى حياة انها حياتها مع جون …. حب عمرها الذى انتظرته طويلا هل يعقل ان تسمح لكل هذا الحب ان ينتهى هكذا الان …. لا لن اسمح بذلك ابدا ….. قررت كاثرين ان تغير من حالها ومن طابع البيت وتخفف من حدة التوتر والضغط الذى ساد المنزل فالاونة الاخيرة اصبحت تتحمل وتتعامل بلطف واعدت عشاء رومانسى علي اضواء الشموع وزينت المنزل بالورود الحمراء وارتدت اجمل الثياب وفاحت فالمنزل اجمل العطور وتعالت اصوات الموسيقى وعزفت ع اوتار الحب والعشق اجمل سمفونية دافعت بها  عن ذلك الرباط المقدس الذى كانت تعرف قيمته  جيدا  ولكن لم يكن يدرك معنى هذا الرباط جون حب عمرها …..

لم تجدى محاولات كاثرين نفعا … فقد كان جون دائما ينسى كل المناسبات التى تجمعهما معا او ياتى متاخر او لا يعير كاثرين اى اهتمام ويفسد كل شئ ليس ذلك فقط بل سيطرت عليه فكرة التسلط والتملك وان يصبح هو صاحب الراى الاول والاخير لايستمع الا لصوت نفسه واسير لشيطانة …. وسقط الحب كحبات المطر علي ارض الواقع وسحقه جون تحت حذاء الانانية والتملك ….

كاثرين لم يعد هناك حلول لقد استنفذت كل محاولاتى لم يعد بوسعى فعل شئ فانا لا احاول ان اصلح وضعا مؤقت انا احاول ان احى ميتا لن يستيقظ ابدا ولن يعود …… استيقظى يا كاثرين عليك ادراك ذلك الان اعرف كم هو ميت بالنسبة لكي ولكن ليس هذا وقت الحزن والاسى هذا وقت اتخاذ القرار يا كاثرين فاما ان تكونى دمية تساق جارية تطيع تتنازلى عن كرامتك وكبريائك تقبلين بالعيش مع جون وانت تعلمين جيدا بان حبه كتب لك الميلاد علي يديه يوما وحبك دفن فى قلبه واصبح وفاة  لن تعود….

واما ان تحاربى لاجل حريتك والثأر لكرامتك وللمحافظة علي كينونتك علي احترامك لذاتك ولشخصك الذى اذا سقط سيفقدك كل شئ ولن تعودى انتى كما كنت مهما حاولتى بعد ذلك .

لم تكن كاثرين يوما بالمراة المتعصبة او شاذة فكريا لتفكر بان الرجال مهمشين ويمكن للنساء العيش بدونهم بسهولة وتحمل مسئولية انفسهم او القيام بادوار الرجال ….. ولم تكن حتى من هؤلاء النساء اللواتى ينادين دائما بالاستقلالية والمسواه بين الرجل والمراة .

بل كانت امراة ناضجة تقدر دور الرجل وتؤمن بوجوده فى حياة المراة كانت تعلم جيدا بانه الامان … بانه الحماية ….. بانه الوطن ولكن ماذا لو تحول الامان… الى خوف ورعب دائم وانهار الوطن ماذا يبقى بعدها ..

اذا فقدت المراة الامان بين ذراعى زوجها ووطنها والسكن ابدى وتحطم ذلك الرباط المقدس وتلوثت قدسيته بلون الانين وامتزج بطعم الاسى الذى يسكن الملامح ويعشش فى القلوب ليطفئ نورها ويوقف نباضاتها وليكمم انفاس العشق الذى استنشقته القلوب .

لم تكن تريد كاثرين سوى شئ واحد الاحترام والتقدير ذلك الاساس الذى كان بامكانه حماية الكثير والكثير من الديار التى انهارت علي رؤءس اطفالها حتى ولو فقدت الحب … كان الاحترام سيكون لها حاميا ويرفع اعمدتها ويعيدها من جديد

كانت كاثرين تعلم جيدا بانها ان اتخذت قرارها بالانفصال فسيكون عليها ان تعى بانها ستفقد كل ذلك وستواجه مجتمعا باكمله ستصبح فى نظره متهمة بالفشل وفساد الاخلاق مضطرة دائما للتبرير وتوضيح موقفها .

ستصبح فريسة فى عيون كل كلب لاهث فالطريق سيعاملها ع هذا الاساس رغم عنها ستصبح كالعار يحاول الكل التملص منه …. ستحارب فى علمها فى حياتها فى تعاملاتها مع كل من حولها ….. ستحارب لكى تعيش لكى تحيا بسلام .

كانت كاثرين تتسائل لماذا ينظر المجتمع للمراة المطلقة هذه النظرة المهينة لماذا يحكمون عليها اما بقبول الذل والهوان والرضوخ لتسلط وتملك انسان تخلى عن انسانيته وفقد السيطرة علي عقله اعتقد لغبائه يوما بان رجولته لن تكتمل الا بامتلاك امراة .

واما ان يخنقها المجتمع باكمله ويصدر عليها الحكم بالاعدام … ويحرمها من التقاط انفاسها … لما لا يرى الناس اخطاء الرجال هل هم ملائكة نزلت الى الارض فقير هو من يفكر هكذا فى عقله فلا كل الرجال ملائكة ولا كل النساء كم من طفل تشرد وفقد الامان بسبب عجرفة اب متصلط كم من امراة تحملت الضرب والاهانة وكتمت صوت الالم بداخلها وخبات اثار العنف علي جسدها خوفا علي صغار ليس لهم ذنب الا انهم ولدوا فى مجتمع اعطى للرجل كل الحق وسلب المراة اى حق .

كانت كل تلك الافكار تدور فى راس كاثرين القرار صعب ولكن يجب حسم الامر سريعا .

قررت كاثرين كسر اسورة الحب التي التفت حول عنقها والتحرر من الاسر … اختارت ان تواجه شعب بأكمله علي ان تواجه حرة طليقة علي ان تواجه فرداً وهي مكبلة بأغلال الذل والهوان … لا لن تكسر في الحياة لن تخضعي قلبي لن ينتصر علي حبه الذي سكن قلبي .. اعلم كم سألتم كم سأتمزق من اشباه حبه الذي سيبقي يحتل قطعة من روحي ولكني أؤمن بأني لن اقبل بتلك الحياة ابداً .

لا اكذب ان قلت بإني اشتقت لحظة .. لكني لا اعرف قلبي هل يشتاقك بعد الآن …

وحلمت كاثرين بقلبها سكاكين الألم التي مزقتها وصوت انين دوي صداه بإنحاء جسدها ولكنها ايضاً كانت تحمل شعاع الامل ونور اخترق الظلمة التي بداخلها .. ولمعة في عيناها لم تستطيع الايام سليها منها ووقت علي شاطئ البحر في الغروب وتحايل شعرها مع النسيم يسابق امواج البحر .

وكانت تنظر للشمس وهي تغرب لتودعها وداعاً أخير وشعور انتهي كل شئ انا مستعدة الآن لابدأ رحلة جديدة اتحدي فيها ثقافة شعب ومجتمع بأكملة .. اما انت ياجون فسيغرب حبك قلبي ومن حياتي كما تغرب الشمس الآن .

تري هل يستطيع كاثرين نيل حريتها بالفعل والانتصار في المعركة التي قررت خوضها ام ستهزمها الظروف وتقهرها عادات وتقاليد لن تقبل بها وتتركها وشأنها .

هل تستطيع كاثرين ان تنفصل عن جون وتنجح بالفعل في حياتها ام ستضطرها الظروف للعوده إليه وتقبل تسلطه واهانته خوفاً من مواجهه شعب بأكمله ….!

التعليقات مغلقة.